جريدة إلكترونية
ocp23
تحت القائمة الرئيسية

افضن عبدالله يكتب: التدليس السياسي المغربي إلى أين؟

الحديث عن الدسائس يتطلب العديد من البحوث والوثائق والحجج لكن التاريخ المكتوب بدم الأبرياء لم ينجز إلى حد الآن لكون المداد مزج بالخيانة ولكن هذه المرة خيانة ضد الشعب وتوسيع الهوة بين الملك والشعب.

لقد قامت ثقافة التدليس هذه على اثنتين

نفخ السياسة لأجل تحويلها إلى كل شيء، ولا شيء.

والحال أنه ثمة فارق كبير بين أن تكون السياسة في كل شيء، أو أن يكون كل شيء قابلا للتسييس، أي أن يرتبط بثنائية «صديق في مقابل عدو» التي اعتبرها كارل شميت الأصل في مفهوم السياسة، وبين أن تكون السياسة هي كل شيء.

عندما تكون السياسة هي كل شيء، لا يعود هناك تقسيم اجتماعي للعمل، ولا علاقات إنتاج، ولا حتى علاقات اجتماعية فعلية في المجتمع. كل ما هناك هو سياسة «ما قبل حديثة» أو «متوحشة» يريدون استئناسها، والمضي بها إلى منعرج الحداثة. لكنها حداثة منزوع منها روح الحداثة نفسها، روح التوثب لآفاق غير منظورة بعد. يريدون حداثة تكرارية، رجوعية، ماضوية.

بالتالي، أن تكون هناك أكثرية شعبية محدودة الدخل، وأن يكون أكثرها واقع ضمن «العمل المأجور» وخارج كل تمثيل سياسي مباشر، وأن يكون اندماج الطبقات الشعبية التي تمثل هذه الأكثرية السكانية في النظام السياسي، بما من شأنه أن يفتح لها باب المشاركة والتمثيل يتطلب مراجعة النظام السياسي نفسه، بل مراجعة النظام الاجتماعي، فكل هذا ليس على الخاطر ولا في البال بالنسبة إلى هذه الثقافة النقدية المدجنة والتدجينية.

ما تدمن عليه هذه الثقافة التدليسية هو الترداد طول الوقت «ان المشكلة في السياسة، وحلها في السياسة».

بالتالي لا أحد يتعب رأسها بنموذج متعدد لمستويات البنية الاجتماعية. لا بنية اجتماعية فعلية للمجتمع في عرف هؤلاء، بل سياسة في سياسة. سياسة متوحشة يراد استئناسها، طبقة سياسية فاسدة يراد إبدالها بـ«أوادم» و«تكنوقراط». سياسة مسيّسة للدين يراد إبطالها بسياسة علمانية مفصولة عنه. سياسة منحازة يراد تحييدها عنها. كلّ يُنكِّه «سياسويته» بما يعتبر أنه «القضية الجوهر» وكل يعتبر أن حل هذه المشكلة السياسة هو في السياسة.

ثقافة كاملة مبنية على تجاهل التصدع في القاعدة الاقتصادية الاجتماعية التي يقوم عليها البلد، والتي يمكن أن يخاض مطولا في علاقتها غير الأحادية البعد، مع نظامه السياسي وارتباطاته الخارجية، وقوانينه المنصوصة وتلك المطبقة، وثنائية» الوطن والمهجر» إنما لا يمكن التصرف كما لو أنها قاعدة اقتصادية غير موجودة، أو أنه إذا كانت موجودة فالتصدع لا يصيبها، وإنما ينحصر بكل ما فوقها.

ولا أنّ القاعدة الاقتصادية للمجتمع قائمة في فضاء منعزل عن انقسامه بين الجماعات، وعن التفاوت في التشكل الإثني لهذه الجماعات، وعن التفاوت في التشكل الطبقي ضمن كل جماعة.

وهذا الاجتماع بين التفاوت في التشكل الإثني للجماعات التي نسميها طوائف، وبين التفاوت في التشكل الطبقي لكل منها، يوجد القاعدة المادية المزدوجة للفصام الكبير، بين نزاعات تتخذ شكل «صراع طائفي بين الطبقات» ثم تتحول إلى «صراع طبقي بين الطوائف».

بدلاً من التفكير في أي شيء من هذا القبيل، تفضّل السياسوية التشاطر على «الاجتماعي» بحصره في «الجزئي» و«المطلبي» في حين ان الطبق الرئيسي هو للسياسة، كما لو كان طبقها الذي تقدمه هو فعلا سياسة.

السياسوية تتحجج دائما بخطر الاقتصادوية، لكن «يا محلاه» تفسير كل شيء بالاقتصاد أمام استبعاد التفكير بالاقتصاد بالمعنى الفعلي، انطلاقا من علاقات الإنتاج والتوزيع.

مع دخول البلد مرحلة الانهيار وخطر الاضمحلال منذ نحو عامين، امتعض رواد ومدمنو ثقافة التدليس هذه كل مرة سمعوا فيه كلاماً حول الطبقات الاجتماعية. تمسكوا بفكرة واحدة، وهي أن الانهيار قائم على الجميع. فاتهم أن الانهيار شامل، صحيح، لكنه متفاوت. ويزداد تفاوتاً ضمن هذا «الجميع» المتخيّل.

وهذا التفاوت هو طبقي وطائفي، وليس تفاوتاً حسب موقع كل واحدفي السياسة