*المرأتان السوريتان؛ أو درس في “نعمة” اسمها “الأمن”
زارتني هذه الأسرة السورية ( الصورة) في بيتي بمدينة كلميم..
“فاطمة” و “عبير” .. والصبي “حسن”..بعد ان صلين معي الجمعة الماضية بمسجد عبد الله بن ياسين ..ودلهم بعض الفضلاء على بيت خطيب الجمعة..
استمعت انا وزوجتي؛ بامعان وتركيز و مودة لمدة ساعتين.. لحكايات بالفاظ ليست كالالفاظ.. ولقصة تقطر بالمعاناة..و تعابير تلتحم مفرداتها بحرارة النار والثلج والاسف والخذلان والندم والبكاء والصمت والهذيان ..
انها باختصار “فلسفة الحياة” او قل الحياة “عارية بلا زخارف الشعراء”..
إنها حياة البساطة والفطرة والقناعة والامن والمعافاة التي انتزعت فجأة منهن..
الحياة التي ننعم بها؛ لكن نلعنها صباح مساء؛ بسبب جهلنا و كثرة الامنيات الخداعات..
نسيناها ..و حجبها عنا طول المتعة والشهوات ..ومرض الغفلة.. وطول امد النعم ..”فطال عليهم الامد فقست قلوبهم”..
لقد تحدثت السوريتان عن الخوف وفقدان البيت.. وموت الاحباب وسجن الاخوة؛ والجوع والمرض والاغتصاب؛ وسقوط القنابل العشوائية.. ومعاناة الاطفال من “العقد النفسية” واهمها الرهاب والخوف..
تحدثتا عن الهروب ليلا على الاقدام.. والاحتجاز على حدود لبنان.. والإهانة الطائفية.. والقتل على الهوية.. والتهجير.. والفرار بدون أمتعة..
وفقدان اوراق الهوية..
وانهيار الاحلام..واستباحة الحدود ..
و استئساد المافيات و الاجرام..
وتدمير الدولة..ونهاية الحضارة..!!؟
صدقوني لقد قرأت اليوم بفضل ضيفاتي؛ مجلدات عن “المعنى الحقيقي” : لنعمتي الأمن والاستقرار.. وزاد يقيني أنني أعيش في مملكة الاولياء والشرفاء..مملكة أمير المؤمنين أعزه الله..مملكة الأمن و الأمان..مملكة الضيافة و الكرم واستقبال الأفارقة و السوريين .. مملكة حقوق الإنسان حقيقة و ليس بالشعارات و تزويق الكلام بالألوان..
بدأت افهم من جديد “معنى” وجود (الخبز) في كل وقت وفي كل دكان.. هنا في بلدنا المغرب..
بدأت أعيد فهم المشاهد العادية مثل مشاهد الاطفال يلعبون هنا وهناك.. على كورنيش أم لعشار قرب بيتي بكلميم .. وخيرات سوق امحيريش.. والخضر والفواكه صنوان وغير صنوان..
والاذان للصلاة يرفع جهرا خمس مرات..
وقاعات المناسبات: عرسا او عقيقة .. او حتى وفاة.. في الشارع يحرسها الامن ليلتقي الاحباب يتبادلون صلة الارحام..
وتذكرت الحلويات في المحلات وفي البيوت بمناسبة ذكرى المولد النبوي..
وتذكرت ولائم عودة الحجاج..
وتذكرت توزيع مليون محفظة على الفقراء..
وتذكرت توزيع الآليات على المقاولات النسوية في إطار مبادرة التنمية البشرية..
وتذكرت التغطية الصحية للفقهاء..
وتذكرت “تيغراوين” عند المساجد في ليلة القدر.. وخروج الأسر ذكورا وإناثا وصبيانا جماعات الى المصليات لأداء صلاة العيد بلباسهم القشيب..
وتذكرت الناس يمرحون في الصيف مبتهجين على رمال الشاطئ الأبيض..وفي كل شواطئ البلاد.
وتذكرت اجواء عيد الاضحى ورائحة الشواء .. وتبادل التحايا والزيارات ..والصفاء و الاخاء..
وتذكرت ذهاب ابنائنا الى المدارس كل صباح وعودتهم كل مساء ولو في الظلام..لا خوف ولا اعتداء..
وتذكرت نعمة الغيث والحرث والزكاة والعشور..
وتذكرت فرحة النجاح في السادس والتاسعة والباكالوريا..
وتذكرت السفر الى شمال المغرب او الى مدينة الداخلة ليلا؛ لا يكلمك انس ولا جان..
وتذكرت الرحلات الجوية يوميا الى اوروبا والى الهند والسند ..
وتذكرت؛ وتأسفت على “بركاسات” القمامة عندنا؛ مملوءة “بالطعام الصالح” الذي اثخمنا وشبعناه وعفناه!!
(كالو: شبعت؛ كالو : الله يحكم فيك!! معناه : قال له : شبعت؛ مفهومها المجازي طغيت !!)
فاللهم انا نحمدك حمدا يوافي نعمك على المغرب الحقيقي..وليس الذي يرسمه البعض على الصفحات الرقمية..
ونعوذ بك من المعيشة “الحقيقية” الضنكى في بعض “الدول الاجنبية”!؟ ؛ وليس كما يسوق لها زورا؛ على الصفحات الرقمية بتوظيف كل علوم الدعاية والاعصاب والاشهار والتأثير على الجمهور !!!
اللهم انا نحمدك على ما اعطيتنا من الخيرات فاعطينا منه لاخوتنا في إفريقيا و سوريا..
اللهم عرفنا نعمك بدوامها؛ ولا تعرفنا نعمك بزوالها..
بعد ان تصدقنا بما أذن الله به في الوقت..خرجنا الى باب البيت لنودع ضيفاتنا وهن يبكين.. قالت عبير :” بدنا (نتمنى) خيمة!!.. وإقامة دائمة عندكم بالمغرب العظيم..”..
تذكرت اللحظة حكمة سيدي بن عطاء الله السكندري:” ربما اعطاك فمنعك.وربما منعك فاعطاك.” ..وقلت :” كم من مغربي انساه العطاء الالاهي نفسه..فمنع الشكر ولم يحمد الله فهو يعيش متذمرا كنودا..وهاته النسوة منعن نعمة الأمن والمعافاة؛ ولكن اعطينا فهم الشكر عن الله..”..
كان في الماضي مقابل “الامن والاستقرار” هو “الخوف” …
أما اليوم فضد “الامن” هو “اللاوطن”!!!
فطوبى لمن فهم عن الله؛ ثم شكر .. وهو وسط النعمة.. وليس بعد ان يسلبها.”
وافتح اللهم بنور منك؛ بصائرنا..
واكشف الحجب عن قلوبنا لنتمتع بنعمك الظاهرة..وكذلك الباطنة !! وما اكثرها..آمين..
والحمد لله اولا وآخرا؛ على المغرب ارض الاولياء والولاية ..و الذي يحكمه اهل بيت النبوة..وترعاه عيون اهل الذكر والسر.. وحفظ الله أمير المؤمنين محمد السادس؛ أمير التسامح و الإنسانية ..
بقلم : عبد الخالق حسين ..دجنبر 2019 – المغرب