جريدة إلكترونية
ocp23
تحت القائمة الرئيسية

بقلم عبد الخالق حسين: رئيس المجلس العلمي لطانطان **علم ابناءك القرآن..والقرآن سيعلمهم كل شيء

1- عثرت – في أرشيف مكتبتي المنزلية – على هذا الملف الذي صورت منه هذه الصفحات مع مقالي هذا ..
وهو مشروع لتحفيظ القرآن للتلاميذ سنة 2015 بمسجد عبد الله بن ياسين بمدينة كلميم..
حيث قررت ان احفظ سورة الكهف للتلاميذ.. فعكفت على اعداد و طبع ملف يحتوي على سورة الكهف و ترجمتها بالفرنسية و قصيدة البردة في مدح سيدنا رسول الله..كأن الهاما أمرني بأن أعد دعاة مغاربة سيتوجهون الى الدول الافريقية الناطقة بالفرنسية مستقبلا..
و قد وزعت على كل مستفيد ملفا من 42 صفحة؛ يسجل على غلافه اسمه و مستواه الدراسي..و كانت حصة الحفظ تنطلق كل صباح (يوم احد) من 9 صباحا الى و قت صلاة الظهر..كان العدد المسجل ابتداء هو 400 تلميذ من مختلف المستويات الدراسية ..لكن بعد عدد من المقابلات التي استعنت فيها ببعض الاصدقاء الحفاظ؛ تقلص العدد حتى اضحى 140 تلميذا..

2- انطلق الحفظ من شهر يناير 2015؛ و كان الهدف هو “ختم حفظ سورة الكهف” مع احترام الحد الأدنى من قواعد التجويد؛ و استظهار “بعض” من ترجمة اياتها بالفرنسية ؛ و حفظ قصيدة البردة؛ وضربت للمتبارين موعدا قبل حلول شهر رمضان؛ الذي اعتقد انه كان في شهر يونيو..على ان توزع الجوائز في ليلة القدر من رمضان..
اشتغلت لمدة ” خمسة اشهر ” متواصلة؛ و كان موعد تجريب الحفظ هو كل خميس في صلاة المغرب حيث يصلي معي التلاميذ في المسجد؛ ثم نقرأ سورة الكهف بعد الصلاة جماعة على الطريقة المغربية الاصيلة..
كان تجاوب التلاميذ كبيرا ؛ و كانت فرحة الاباء والامهات عارمة..
و كان الكل يتابع المشروع؛ و يساهم في نجاحه..و العيون على رمضان و على نتائج الابن و الابنة في ليلة القدر..

3- هيأت لجان التحكيم؛ و في بداية رمضان بدأنا المقابلات و الاستظهار الأولي.. وكانت النتيجة أن حفظ السورة كاملة أكثر من 50 تلميذا .. و الباقي مابين النصف و دونه..
و تفوقت “ثلاث تلميذات” حصلن على المراتب الاولى بحفظهن سورة الكهف كاملة؛ و قصيدة البردة كاملة؛ و معظم ترجمة السورة بالفرنسية..
ووزعت الجوائز القيمة مع مبالغ مالية مهمة اثناء قيام الليل ليلة القدر..و قد دهش المصلون وهم يسمعون التلميذة تستظهر كلام الله بدون أخطاء ثم تسرد الترجمة الفرنسية لسورة الكهف بشكل متقن و سلس..
إنها بركات و انوار القرآن..

4- ما أذكره أن الفائزة بالمرتبة الاولى في الحفظ كانت تلميذة تدرس بثانوية الخوارزمي و قد حصلت على المرتبة الاولى على مستوى الثانوية.. لم اتمكن من متابعة مسارها الدراسي بعد ذلك ؛ و لكني على يقين انها سوف تكون اليوم تشغل ( وظيفة محترمة) ؛ و تعيش حياة طيبة..

5- وقد التقيت بالدكتور العلامة بن حمزة رئيس المجلس الجهوي لوجدة وعضو المجلس العلمي الاعلى على هامش الدورة الثالثة والثلاثون للمجلس العلمي الاعلى شهر يوليوز 2024.. وكان لقاؤنا في مسجد مؤسسة المجلس العلمي الاعلى.. و سألته عن أهم المشاريع التي يعطيها الاهمية في الدعوة الى الله فاجابني:( عليك بخدمة كتاب الله.. ا ترك بعد موتك حفظة لكتاب الله يدعون معك).. انتهى كلام الدكتور.
في الحقيقة هذا كلام رجل مسقي بروحانية القرآن الكريم..

6- لأن التغيير الذي باشره سيدنا رسول الله كان منطلقا و متاسسا على القرآن؛ ثم تلاوة القرآن ثم التزكية بالقرآن؛ ثم تعليم الحكمة القرآنية..كان النبي في جلساته التربوية يحيط الانسان بانوار القرآن الذي لم يفرط في شئء..كل موضوع او قضية او سؤال انساني الا وقد اشار اليه القرآن بشكل مباشر او بواقعة او قصة او حدث مضى في الزمن الغابر..ومطلوب من قارئ القرآن ان يعيد تدبر الآيات و الغوص فيها و طلب الهداية من الله ليصل الى “عبرها” و مقاصدها و مغازيها..

7- يا هذا؛ علم ابنك القرآن.. و القرآن سوف يعلمه كل شيء..
لقد تأملت الاب الحافظ للقرآن؛ و المعلم الحافظ للقرآن؛ و الطبيب الحافظ للقرآن؛ و المهندس الحافظ للقرآن؛ و اعرف منهم عددا ..فوجدت ( التميز الاخلاقي و الانساني) المتمثل في صفاء السريرة؛ و وضوح الوجهة؛ و طمانينة النفس؛ والرضا والقناعة؛ و محبة و خدمة الناس..

8- اعرف حافظا لكتاب الله؛ كان يبيع في دكان بعض المعروضات..كأنه يزجي الوقت و يعيش على التوكل على الله..وكنت كلما زرته في الدكان أجد معه ابناءه الصغار بنت و ابن يحملان لوحيهما المكتوبين بالصمغ و يرددان كلام الله..نعم إنه كلام الله..كانا صغيرين اعتقد انهما يدرسان في القسم الابتدائي..كان هذا المشهد يسحرني لانه يذكرني بنفس السلوك الذي كان والدي يسلكه بي في دكانه في ثمانينات القرن الماضي انا واخي الذي يكبرني ..كنا نخرج من مدرسة الحسن الثاني بشارع الحسن الثاني بمدينة طانطان.. و لان دكانه كان في الجهة المقابلة لجدار مسجد توبالت .. و بالضبط كان دكان الوالد هو المقابل لدكان مكتبة (الحسين بيغيدن) صديق الوالد؛ شافاه الله؛ وهو دكان من اوقاف المسجد..كان الوالد عندما نخرج من المدرسة يلزمنا بحفظ لوحينا ؛قبل التوجه الى المنزل بزنقة مولاي ادريس القريبة من محطة بنزين (امبارك اوجامع)..

9- المهم انني كنت عندما ازور الفقيه المدكور في دكانه و اجد ابنيه الصغيرين يحفظان على لوحيهما اخرج قطعتين نقديتين و اضعهما في كفيهما و اطلب منهما الدعاء..كانا صبيين يكاد لوحاهما يحجبانهما عن الناظرين..
مرة السنون والاعوام و التقيت بالفقيه صاحب الدكان فسألته عن مسار ابنيه صاحبي اللوحين الدراسي..فأجابني بعبارات الحمد والشكر لله:( الابنة طبيبة بمراكش.والابن مهندس دولة..).. كدت اطير فرحا لهذا المسار الناجح و المتفوق..اعرف جيدا ان هذين الابنين لم يتلقيا حصص دعم؛ و لا دروسا في مدارس حرة..
ولكني على يقين أن مسارهما كان (مدعوما و محروسا ومؤيدا بسر الكلام الثقيل المكتوب على اللوحين..

10- واليوم؛ من خلال مؤسسة المجلس العلمي لطانطان و كل المجالس العلمية بمملكتنا الشريفة ؛ نعطي أهمية كبيرة ماديا و تنظيميا لمراكز تحفيظ القرآن الكريم.. و التوجيهات الرسمية تدعو الى توسيع مساحة استفادة الاطفال و التلاميذ من حصص التحفيظ..و الكل يجتهد لتنفيذ تعليمات أمير المؤمنين اعزه الله بجعل القرآن الكريم أول مايدخل قلب و عقل الطفل المغربي..

11- نصيحة لكل من يقرأ هذه الكلمات:( حفظ ابناءك ما استطعت من القرآن الكريم..و إياك – رعاك الله- أن تنسى نفسك.)