جريدة إلكترونية
ocp23
تحت القائمة الرئيسية

** مشروع تسديد تبليغ الدين من زاوية استراتيجية**

1- (التسويق الترابي: مجموعة الاعمال التواصلية و الاعلامية التي يقوم بها ( أهل المجال) من أجل اقناع مقاولة باختيار ترابهم/ مدينتهم؛ موطنا لممارسة انشطتها الانتاجية)
Texier Laurence : مقولة للكاتب

2- أجد هذا التعريف يهم جميع المؤسسات التي تنشط على تراب المدينة ..الجميع معني بتقديم صورة جميلة و مثيرة عن (مدينتنا) من أجل إغراء وإقناع ( من يملك ثروة) بالقدوم و الاستقرار هنا و الآن..وأقصد بالثروة هنا: المعنى الواسع فالفكر ثروة و الصنعة ثروة و الرياضة ثروة و كل اوجه الابداع ثروة ..

3- و بهذه المقدمة أمهد للقول إن مشروع تسديد التبليغ الذي باشرته مؤسسة العلماء بالمغرب؛ هو مشروع طموح لاعادة ترتيب مفردات الخطاب الديني لاخراجه من مرحلة العشوائية و الارتجالية الى مرحلة المساهمة في التواصل البناء والنافع و دخول مرحلة خطاب ديني يبني عقولا و سيكولوجيات مطمئنة و وعالمة و واثقة من النفس تتمتع بالاناقة و الطمأنينة و هما شرطا انتاج مواطن قادر على رؤية مظاهر الجمال في ترابه و مدينته.. المواطن الغيور على مجاله و الذي يحسن تسويق ( خصوصيات بلدته) تلك الخصوصيات التي لا يملكها مجال غيره..

4- إن الذي لا ينتبه اليه الكثيرون هو كون الخطاب الديني بالمساجد عنصر مهم في تكوين وجدان المواطنين و نفسياتهم و “لاشعورهم”..
فإما ان يكون الخطاب الوعظي و العلمي في المساجد دروسا و خطبا؛ مساهما في نشر الشعور بالطمأنينة و الايجابية و الفخر بالهوية، و الاعتزاز الوطني، و التمسك بالتوابث المجمع عليها: إمارة للمؤمنين و عقيدة أشعرية ومذهبا مالكيا و تصوفا سنيا.. و هذا سيساهم حتما و يقينا في انتاج العقلية المجالية و الترابية الايجابية و التسويقية و الفاعلة و الجاذبة للخير و الصلاح و اهل المعروف و التصدق؛ و الفاعلين في الاستثمار؛ وهو ما يعبر عنه بمصطلح ( الأمن الروحي)..
واما العكس السلبي وهو انتاج دروس وخطب ارتجالية حماسية؛ لا يقدر (منتجها) مآلات و نتائج كلامه ووعظه وخطبه؛ لانها خطب متأسسة على العاطفة و النقد المتهور؛ و التركيز على السلبيات؛ و تضخيم السيئات؛ و تكريس العقلية المستريحة في جهلها.. مما يملأ “عقلية ونفسية” المواطن المستمع؛ بطاقة الاسترخاء واللامسؤولية؛ و احتراف النقد و التجريح، وتحميل المسؤولية للآخرين، و تبرئة الذات.. أي خطاب ينتج لنا مستمعا للوعظ يعتقد أنه “مرفوع عنه” التكليف والمسؤولية !!

5- وهذا هو الوعظ و الخطابة المغشوشين؛ الذي انتبهت اليه مؤسسة العلماء ؛ ورصدت تمدده في بعض المجالات و الجغرافيات.. و تابعت و درست.. و قامت بتشريح أصوله النفسية والفكرية.. و قيمت تداعياته و نتائجه على ( عقلية و نفسية و سلوكيات ) المواطنين؛ فاستنتجت يقينا أن العلاج أصبح ملحا؛ لغاية حماية العقل المغربي الجمعي و السيكولوجية الوطنية؛ من الآثار التدميرية التي ينتجها على كل المستويات الفردية و الاجتماعية وعلى كل الأصعدة : الإدارية و الاقتصادية و الحضارية.. و بكلمة جامعة ( الآثار المعيقة لتنزيل الاستراتيجية التنموية) ..

6- لقد مارست الوعظ و الخطابة من على المنابر لمدة ثلاثين سنة..و مررت بكل مراحل ( أنماط) الخطابة التي تدرس في المعاهد اللغوية؛ و أ عرف مفاصل ( البنية) التي تقوم عليها الممارسة الدعوية.. و قد قرأت خلاصات المناظرات و المؤتمرات التي تدارست انتاج الخطاب الديني و مستقبل الدعوة الى الله.. فخلصت كما خلص الغيورون على مستقبل الإسلام إلى أن مشروع تسديد التبليغ قد انبلج في وقته المناسب و الحكيم..وأنه من الملح و من واجب الوقت في مملكتنا الشريفة التي تسعى الى التتويج قريبا جدا مع الكبار و مع ( أولي الأمر) على المستوى الدولي و العالمي؛ أن يعاد للخطاب الديني وهو الوجه المشرق لإمارة المؤمنين طاقته الاخلاقية و التخليقية ؛ بعد أن طال عليه الأمد فاصبح يعاني من التسطيح و نقص العقلانية و عدم الانسجام مع الأجوبة الكبرى للوطن و عدم مسايرة ( الإمامة) في افريقيا و الريادة في المجال الاقليمي و الشوكة في المجال الاستراتيجي..

7- إن خطة تسديد التبليغ؛ تقوم على إحياء الخطاب الديني في المملكة المغربية؛ بعد أن ظهرت عليه آثار الموت؛ ولأن الخطاب منتوج عقلي وفكري من الإنسان الى الإنسان فلابد أن يدخله التقادم و الخطأ و عدم الاصابة؛ و الإحياء هو ما دعا اليه المجدد العلامة ابو حامد الغزالي في كتابه ( إحياء علوم الدين) المتوفي سنة 505 هجرية..و الإحياء هو عنوان مجلة تصدرها وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية بالمملكة المغربية منذ عقود..و التجديد هو سنة بشر بها سيدنا رسول الله ( ص) بقوله: (ان الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.)..
و عليه؛ فإن تسديد تبليغ الدين في المملكة في جوهره “احياء وتجديد” لخطاب الدعاة الى الله من اجل ارساء مقومات الحياة الطيبة التي تشع من المساجد؛ لتصبح ( أنموذجا فريدا) يستقطب إليه الإنسان الذي أتعبته كلفة الحياة المادية البعيدة عن الله..

8- إن “الحياة الطيبة” كرؤية متأسسة على مفاهيم الإسلام الفطرية و المتأصلة في النفس و المشترك الانسانيين ؛ هي الغاية الكبرى للتدين في مجال/ دار الدنيا مع الخلود في الجنة في الدار الآخرة..وهي الفلسفة التي تبشر بها إمارة المؤمنين العالم من حولها ؛ وتقدمها كمقترح أخلاقي و إنساني للخروج من حياة الضنك و الإحصائيات المنذرة و المخيفة.. وإمارة المؤمنين تتبث يوما بعد يوم أن الأنموذج المغربي في التدين و المتأسس على رؤية اندماجية ؛ تكون فيه كلمة الله و سنة رسوله ( هداية) الى ( الحياة الطيبة) تشمل ( برحمتها) بدون استثناء ( الناس جميعا)..
( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون.) صدق الله العظيم.

بقلم: عبد الخالق حسين: رئيس المجلس العلمي لطانطان.
السبت 17 غشت 2024