جريدة إلكترونية
ocp23
تحت القائمة الرئيسية

حنين الى “مسقط رأسي” مدينة طانطان

1 – هذه التدوينة كتبتها في ” يناير 2014 “.. وهي تحمل قيمتها الرمزية و دلالتها الإشارية من كونها (مختومة برضات الوالدين).. فقد قرأتها على والدي رحمه الله.. فأعجبته..
فهي بالتالي تحمل ( ختم وخاتم الوالد)

وانا اليوم استرجعها.. وقد اصبحت رئيسا للمجلس العلمي لهذه المدينة الرائعة..

وسوف استرجعها باستمرار.. كلما عدت الى بيتنا بشارع الحسن الثاني بحي “طانطان لحمر” بمدينة طانطان…
لأنبه و أذكر “كل اهل الطنطان” أن هذه المدينة قد اعطتنا التعليم والاخلاق والماء والشاي والمرح وفرق الاحياء .. “والوطية والكرارة”و المصب و شاطئ الشبيكة.. والطرب و الشعر والاساطير والحوار..والسمر والمساء..
والكلام والنجوم والارض والسماء ..
والبهاء والجمال.. والمعز والسردين والنوق “والحوار/ ولد الناقة”.. و الجمل و الجمال..والصفاء والوفاء..
والذهاب والتحليق و الابحار والاياب ….
فلنرجع اليها “الدين” مضاعفا؛ بالنصيحة والفكرة والمقترح والمساهمة والخير.. والمساعدة والخبرة والعطاء….

2 – فتحية الى اهلي بطانطان ..
واعتذر لك ياشارعا .. مشى عليه ابي يوما..
.. انه (شارع الحسن الثاني) بمدينة طانطان..
رحم الله جلالة الملك مولانا الحسن الثاني؛ فقد أسس لنا قديما ركيزتي الحضارة : التعليم (مدرسة الحسن الثاني)..والامن ( ثكنة الفاندو 22)..
انه الشارع.. حيث ولدت سنة 1973..(بالضبط تقاطع زنقتي سيدي مولاي ادريس الشريف و سيدي ابن العربي الصوفي الولي )!!؟؟.. و هناك قضيت طفولتي.. يعرف الجميع “فران الشعب” الذي يملكه الشاف لحسن..انه والدي..لقد كان نقطة تجمع ساكنة “طانطان لحمر” لانضاج خبزهم المنزلي منذ بداية السبعينات..

3 – من هذا الشارع مرت المسيرة الخضراء..
انه شارع عالمي احتضن العالم كله..من هنا مرت كل الجنسيات…رفعت اعلام كل الدول .. ورفعت شعارات التحرر والوحدة بكل اللغات..
لو أبصروك لاتخذوك …”مزارا ومتحفا” تتقزم رمزية متحف “اللوفر” الفرنسي امامك..
غريب أن يتنعم الواحد في خيرك..و أن يتربى في عزك ..ثم ينسى ويتناسى فضلك.. ويستهزئ بك من هناك من شارع في باريس..!!!!

4 – كم لعبنا فيك ايها الشارع.. لعبة “لورمات”/عربة صغيرة ذات اربع عجلات حديدية صغيرة؛ يركبها طفل وتدفع به..
كم سهرنا نشرب الشاي على طوارك وارصفتك ..يطاردنا النوم حينا..وتطاردنا سيارة الشرطة احيانا..

كم “شركنا” للطيور قربك هناك عند “جردة” الخياط.. كم تسلقنا اصوار جردة “ويسي”..

كم تزحلقنا في رمال جبل “تيكريا” فوق “بيدو الزيت” نربط في مقدمته حبلا نمسكه كمقود او لجام فرس؛ نتزلج من قمة الهضبة الرملية.. وقليل منا من يصل السفح..المهم عشنا متعة التزلج.. والتفاصيل الشكلية لا تهم…

كم سبحنا في “لمريبعة”..بعد ان تعلمنا الغطس في “شريج دهوار”..كم لعبنا قرب “الباطو”..

كم مرة ذهبنا الى شاطئ الوطية راجلين نحمل قليلا من الشاي والسكر والخبز.. نصطاد “كابايلا” من حوض الميناء؛ بها نضمن غذاء وعشاء.. نلتحف ليلا السماء فوق رمال “الوقاية” حتى الصباح..

5 – عشنا تهور الشباب مع بعض من روح المغامرة..لكن لم ندخن يوما سيجارة واحدة !!!..
ربما يومها كنا نرضع من أمهاتنا الحياء والمسؤولية..

كم حطبنا.. !! كنا نجمع قطع الخشب والاعواد والحطب لنملأ “خنشة” نبيعها ب 10 دراهم..”لمصبنة هندا” بشارع محمد الخامس..رحم الله والدتهم الكريمة و”أمنا” جميعا.. لم نترك عودا صالحا لايقاد النار مرميا في محيط الطنطان..

كم طاردنا الجربوع وراء السمطة/حزام الرمل الواقي من الفيضان بحي المسيرة؛ كلما حصلنا على “ساعة فارغة” بين ساعات الدراسة الاعدادية؛ الا خرجنا ذكورا واناثا نتتبع ونصطاد الجرابيع مابين اعدادية علال بن عبد الله وتلمزون..

6 – كم طالعنا من القصص و روايات البوليس والخيال العلمي في المركز الثقافي على الضفة الغربية لوادي بن خليل..وراء الكوميسارية المقابلة للقصر؛ يحمسنا و يشجعنا مديره اهل برا الدحا..

ولعبنا كذلك “كرة البينبون” في دار الشباب طانطان لحمر..ومثلنا مسرحية” اهل الكهف” لتوفيق الحكيم بدار الشباب المقابلة للعمالة..

كم وقفنا فيك ايها الشارع بالساعات تحت أشعة الشمس اللافحة ننتظر انطلاق احتفال عيد العرش في 03 مارس..نلبس لباسا موحدا ونمشي بانتظام من مدرسة الحسن الثاني مرورا بشارع محمد الخامس وصولا الى محطة الحافلات اليوم التي كانت ملعبا لكرة القدم قديما.. كنا نسير بانتظام نحس بالفخر والشهامة والتقدير لان “الشرطة” توقف الجميع من اجلنا نحن الصغار.. نهتف باسم الملك والوطن ونردد اناشيد حماسية تخلد التضحيات..نقتسم “هرنيس” كما يقتسم البعض “العود والعنبر”..

7 – ايها الشارع العظيم..
ما أجمل روحانية رمضان وليلة القدر فيك..و فيك مسجد “توبالت” الذي كان ابي يصحبني اليه للصلاة ؛ وقراءة حزبي الفجر والمغرب كل يوم؛ منذ ان كان عمري 05 سنوات/منذ 1978..وفيه القيت اول درس ديني مارس1995..وعدت اليه بعد غربة الدراسات العليا.. فالقيت فيه دروس رمضان 2011 ..
ثم عدت هذا الصيف( أقصد صيف 2014) وقرات حزب الفجر في رحابك وبين سواريك..واستمعت لقصيدة البردة ببهائها الساحر ترددها جنبات الجامع كما تعودت سنين من الدهر عددا ..
تراجعت قليلا الى المكان الذي كان يجلس فيه والدي الساعات قبل اذان الفجر ..ثم قبلت رأس الامام ..ويد المؤذن الشاهد على العصر؛(محمد سالم السمياني حفظه الله)..

فصوت “تهليله واذانه” هو هو؛ منذ عقود..
وقد ورث (هذا المقام) عن والده “الحاج محمد” رحمه الله.. كان الوالد صديقا لوالدي؛ صارما ..منضبطا في القيام على شؤون المسجد ومواقيت الاذان و ترتيبات الصلاة.. ما علمت انه تخلف يوما عن مواقيت رفع التهليل وأذان الفجر..
تنفذ كلماته الى تلافيف الفؤاد..
يقرعك؛ يهزك؛ يململك .. يذكرك انك مهما قرأت وتعلمت.. وتفلسفت.. و كبرت..وهاجرت في أرض الله الواسعة .. فإن الله اكبر.. وان “بيت الله” اوسع لك.. و أهنأ لك .. من كل العالم.. “وأن الى ربك الرجعى”.. ” يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه.”

وعلمت لحظتها “تأويل” وتفسير كلمة ( الرجعى).. فقد سافر “والدي” رحمه الله و جاب من ارض الله الواسعة ما شاء له الله .. و شارك في حروب كثيرة هنا و هناك.. وختمها بجبهة سيناء في مصر عام 1973.. كان يقول : (.. كم من أصحابي قد قضوا و رحلوا الى ربهم في السبعينات و الثمانينات و التسعينات ..لقد طال بي العمر اكثر مما ظننت !!)
ثم يشاء الله بتصاريف أقداره الحكيمة أن يموت والدي هنا بالطنطان ..فنصلي عليه الجنازة في هذا المسجد بالضبط( مسجد الشرفاء توبالت)..الذي كان منذ تقاعده من الجيش “أمين مال” لجنة الإشراف عليه..
وسمعت هذا المؤذن الشاهد على العصر بنفس نبرة الصوت :
“جنازة رجل.”..
ثم سلمت على صاحب الصوت الجهوري؛ وقلت له :” اتذكر عندما كنت صغيرا .. انت الذي علمتني كيف اضع أنفي في السجود..”..فابتسم ابتسامة تكشف عن روح صافية ..وذاكرة قوية..ومربي من أهل التزكية.. مادرسوا بيداغوجيا..ولا ديداكتيك..ولا علم نفس تربوي..ولكن لزموا تقوى الله فعلمهم الله..”واتقوا الله ويعلمكم الله”..

هؤلاء الرجال الذين اقامهم الله على المساجد؛ منذ السحر يستغفرون؛ يملكون “سرا” غامضا ..
انتبه؛ إذا صليت في اي مسجد ” اكرمهم..و اسالهم الدعاء”.. وسترى العجب العجاب…فما اقامهم ربك هناك؛ في مقام “يفر منه” العقلاء اصحاب “المصلحة الحسابية”..الا ؛ لأنه يريد ان يجري “بهممهم” الخير.. بغير حساب..!!

8 – ايه..يا زمان..

كم مر هنا من الكنى..والاسماء..والالقاب..مروا كالسراب..”ويبقى وجه ربك ذو الجلال و الاكرام”..
مر من هنا الفقيه ابلاغ..الحاج كركاز..الحاج بيغيدن..الحاج الصغير..الحاج ابراهيم عليوة..الحاج عبلا مول القهوة..الحاج امبارك الخضار..الحاج الشخص.. الحاج مولاي صاحب مقهى “العبور”… الحاج سيدمو..الحاج الزروالي..الحاج الشاف احمد ربواجة..الحاج بلوك..الحاج امبارك اوجامع..والحاج أمزيان..و..و.. رحمهم الله جميعا ..ورحم الذين سأدون اسماءهم عندما ستسترجعهم الذاكرة…

ورحم الله الكثير من الصالحات المتصدقات..
كنا ندخل اي منزل نريد..
كانت كل النساء امهاتنا..كنا ننادي كل امرأة بلقب “خالتي”..كانت التلفزة بالابيض والاسود ..تلفزة واحدة في الزقاق..نجتمع كلنا اطفال المدرسة لنتابع الرسوم المتحركة..ببراءة وشغف..وحسن جوار..
كان الاثاث بسيطا والقلوب عظيمة..
كان الخبز قليلا.. ماكنا نعرف “كرواصا” ولا مخبزات.. نسد جوعنا في مطعم مدرسة الحسن الثاني أحيانا.. رحم الله مديرنا سي حاميد..
او نسد رمقنا؛ وثقل الاملاق ب”صوبة” القشلة غالبا..

لكن صدقوني.. كنا سعداء !!

9 – عظيم ايها الشارع.. كعظمة “الاسر العريقة” التي تسكن حولك..
تحية لرواد هذا المسجد الذين “مات منهم “كثير..”..
تحية لسكان هذا الشارع.. وحي طانطان لحمر.. وسكان طانطان جميعا..

كنت اتمنى ان يكون هذا الشارع جميلا اكثر..انيقا اكثر..حيا اكثر..واسع الصدر اكثر..
يعج بالسياح من كل الارض..
مشهور باشهى أكلات “الإبل”..والذ فنون اطباق “السردين”..
تمنيت ان تشتهر “يا شارعا” في العالم كله؛ بمهرجان طانطان “لاطباق روائع البحر والصحراء”..
مهرجان تصاحبه بطولة “ابطال سفينة البحر والصحراء” يقدم جوائز لكل بطل يجمع بين الجري على رمال الصحراء والسباحة في البحر ..نسميه “مراثون طانطان العالمي”..
إيه..متى تنطلق سفينتك تمخر عباب البحار..

كنا صغارا نتسلل منك ايها الشارع أيام الأحد “لنسرق” الكرموس من “جردة لكرارة”..نرجع وقد انتفخت شفاهنا بسبب عدم نضج الفاكهة..

ايه.. و أينك يا كرموس لكرارة اليوم ؟؟!

10 – كم حصدنا الزرع مع والدي رحمه الله.. و”درسنا” الغلة..في ارض بين ثانوية محمد الخامس و”الكرارة” او وراء حي النهضة باتجاه “الجميلات”..وجمعنا المحصول في “الخناشي” وبعد اخراج العشور..نحملها فوق “الكرارس” الى الدوار حيث يخزنها والدي..وكنا نشرب شايا مشحرا فوق العيدان اليابسة..لم اجد مثيل مذاقه منذ ذاك الزمن..
هل تغيرت “الورݣة” ام تبدل “الشجن” ؟؟؟

11 – تمنيت ان تكون ايها الشارع قلبا خافقا بالتجارة.. والثقافة.. والسعادة والانس اكثر..

قل لي ما الذي ينقصك ؟؟

اعرفك دائما كنت شامخا صامدا ..وطنيا وفيا..
مر فوقك الاسبان والفرنسيون والخليجيون.. والافارقة والكوريون…واللاهون..والشامتون..
والمشاغبون..والانتهازيون..ولازلت انت انت..تبتسم ساخرا ممن ظنك “شلخة” تجرفها امطار الصيف..
ترش العابرين بعطور “تمغربيت” الصمود والتميز وكرم وشهامة اهل الصحراء..

12 – اعتذر لك ايها الشارع فما قدروك حق قدرك…اعطيت من مر فوقك الحياء والحياة..تحكي والدتي ان سكان شارع الحسن الثاني كانوا يخرجون براميل الماء ليسقوا ركاب الشاحنات المشاركين في المسيرة الخضراء.. كل العالم شرب من مائك..لا تصدقهم فأنت الشرب والورد والوارد..

نعترف لك أمام الله الشاهد.. انك اعطيتنا البهجة صغارا..والنوستالجيا الآن… واعطيناك ” الصدود والكبر و “الطنز”.. وخيانة العهد و الامانة..بعدما كبرنا وصرنا “راشدين”!!

13 – فيا شارعا ..
اخلع نعليك..
فقد سمعت “خطاب أمير المؤمنين بمناسبة عيد العرش..
فاعلم ان ماءك كله يصب في وادي بن خليل..فارم مياهك.. وجدد حذاءك .. وسرج خيلك.. والعن شيطانك..
والتقط اشارات الخطاب..

لا تشارك بعد اليوم في (سباقات الصغار) !! …
“لا تلتفت.. لا تلتفت..”.. قالها سيدي عبد الجبار النفري…
فالزمن “زمن الكفاءات الكبار”…

بقلم: عبد الخالق حسين